بلادٌ بلا روح: يرنّ المنبّه.. لا أحد يستيقظ

بين من ينذرنا بخطرٍ محتّم ومن “يبشّرنا” باستعادة قدراته.. نقضي أيّامنا ببرودٍ من دون روح.. كأنّنا نعيش حالة إنكار ما بعد الصّدمة.
يستيقظ اللّبنانيون اليوم كما كلّ يوم، يشربون نشرات الأخبار العاجلة مع فنجان القهوة، كبديلٍ قسريٍّ عن أغاني فيروز.
يتبادلون “شو الوضع؟” بدل “صباح الخير”…
وتبدأ التّحليلات والتّوقعات بين لهجة توم بارّاك المُنذِرة بخطرٍ قريب، وبين مسؤولٍ حزبيٍّ يعلن عن تعافي القدرة الحربيّة لحزبه!
الأعباء اليوميّة، والقلق، والتّرقّب، ومتابعة التّفاصيل تُنهك الصّغير قبل الكبير.
صباح بلا فيروز
أحمل هاتفي وأنا البعيدة نسبيًا عن ساحة القلق، وأتّصل بمن تركتهم هناك… للاطمئنان.
تُجيب جارتي بصوتٍ متعب:
“ما حدا عارف شو حيصير.”
لكنها حضّرت حقيبةًً صغيرةً وضعت بداخلها الأوراق المهمّة وأدويتها وبعض الملابس…
الحقيبة نفسها كنتُ أملأها وأفرغها كل يوم، وفقًا للخبر العاجل… أو لحالة الطّقس.
“ديري بالك ع حالِك”، وأُقفل الخط.
حقيبة التّهجير
“لوين بدنا نروح؟” سؤالٌ يأتي في كل مكالمة، سؤالٌ يوجع القلب.
التّهجير وحشٌ مخيفٌ يختبئ في أواني المطبخ، وكتب المدرسة، ومنشر الغسيل.
التّهجير شبحٌ يرافقنا من “دركسيون” السّيّارة إلى شاشة التلفزيون، إلى المخدة.
نلبسه مع ثيابنا، نقطفه مع موسم الزّيتون، ونعصره مع الزّيت.
النّاس تعوّدت
“ما في شي”، تضحك صاحبة الدّكان في الحارة، فهي تعتقد أنّ الحرب لن تعود، وأن الوضع سيستمر كما هو.
العدو ماضٍ في الاغتيالات…
“والناس تعوّدت”.
جملة غريبة، ومخيفة.
تعودت على الموت المتنقّل؟ أو على الغارات العنيفة؟
أم تراها تعوّدت على صور الضحايا، ودخان الصّواريخ، وركام المباني، وصراخ الأطفال، وسيارات الإسعاف، وخريطة تحذيرٍ بالإخلاء؟
نوم بلا أحلام
وأخيرًا، ينامُ اللّبنانيون بلا أحلام سعيدة.
يضبطون المنبّه ويستيقظون قبله…




