من أنقذ الدّولة… ومن أفشلها

حين وصف الموفد الأميركي توم بارّاك لبنان بأنّه “دولة فاشلة”، لم يكن يتجنّى، بل عبّر عن حقيقةٍ مؤلمةٍ يعرفها اللّبنانيون قبل غيرهم. فالفشل لم يصنعه الخارج، بل منظومة داخليّة ترفض الإصلاح وتصرّ على رهن البلاد لمحاور إقليميّة.
حسين وهبي
واشنطن ليست العدو
الولايات المتحدة لم تكن يوماً ضدّ لبنان. على العكس، كانت ولا تزال الدّاعم الأكبر للجيش اللّبناني، والمساهم الأول في المساعدات الإغاثيّة والإنسانيّة، والممرّ الأساس لأيّ دعم دوليّ جدّي. واشنطن ليست عدواً، بل شريكاً يحاول أن يُبقي باب الأمل مفتوحاً في بلدٍ يُغلق قادته كلّ نوافذه.
الرّدّ على علي فيّاض
أما النّائب علي فيّاض، فقد ردّ على كلام بارّاك باتهام أميركا بأنها السّبب في فشل الدّولة. لكنّ الوقائع تُكذّب ادعاءه. فالولايات المتحدة لم تكن يوماً من قرّر الحرب في لبنان، بل هي من سعت مراراً لوقفها، عبر موفديها من آموس هوكشتاين إلى توم بارّاك نفسه. هي الّتي حثّت على التّهدئة والعودة إلى الدّولة، فيما جاء الرّفض من “الحزب” ومن خلفه طهران.
من يدمّر الدولة فعلاً؟
واشنطن لم تسرق أموال المودعين، ولم تغلق معامل الكهرباء، ولم تُعطّل القضاء، ولم تمنع المحاسبة. لم تخلق نظام المحاصصة ولا اقتصاد الريع، ولم تخطف جنديّين إسرائيليين لتفتح حرباً دمّرت الجنوب والبقاع والضاحية. ولم تحتلّ ساحات بيروت عامين كاملين لتشلّ الاقتصاد.
من أفشل الدولة ليس من قال الحقيقة عنها، بل من عطّل قيامها. من أفشلها هو من حوّل السّلاح إلى سياسة، والمذهب إلى هوية، والدولة إلى غطاءٍ لمشروعٍ خارجيّ.
دولة المؤسّسات لا الدويلات
لقد قالت واشنطن بوضوح إنّها تدعم لبنان الدّولة، لا لبنان الدّويلة. تدعم المؤسّسات لا الميليشيات. تدعم السّلام لا الحرب. أما من يصرّ على تخوين كل صوتٍ خارجيّ يطالب بالإنقاذ، فهو يفضّل استمرار الفشل على مواجهة الحقيقة.
الحاجة إلى شراكة لا عداوة
لبنان لا يحتاج إلى خطاباتٍ ضدّ أميركا، بل إلى رجالٍ يُشبهون ما تطلبه أميركا: دولة مؤسسات، عدالة، شفافيّة، واقتصاد. هذه ليست شروطاً أميركيّة، بل شروط الحياة نفسها لدولةٍ تريد أن تبقى.
إقرأ أيضاً: العودة والإعمار: الجنوبيّون يسابقون الزّمن وحسابات السّياسة



