نواف سلام… رئيسٌ يحكم بالضمير لا بالولاء

في كل مرة تهتزّ فيها السماء فوق الجنوب، ومع كل غارة أو تحليقٍ لطائرةٍ مسيّرة، ينطلق “جيش الشتامين” على وسائل التواصل، لا لمواجهة العدوّ، بل لتفريغ حقدٍ موروثٍ على رئيس الحكومة نواف سلام. تنهال عليه الإهانات والاتهامات، وكأنّه المسؤول عن الودائع المنهوبة والفساد المزمن والانهيار المالي الذي صنعته منظومة واحدة تتحكّم بلبنان منذ أكثر من أربعة عقود.
الذين صمتوا عن النهب يصيحون بوجه الإصلاح
أولئك الذين صمتوا يوم سُرقت أموالهم، وحين جُرّ الوطن إلى الحروب والصفقات، لا يجدون اليوم من يهاجمونه سوى رجلٍ يحاول إعادة شيءٍ من معنى الدولة. رجلٌ أتى من خارج الدهاليز القديمة، ومن خارج “الدولة العميقة” التي ما زالت تمسك بخيوط كلّ شيء.
الاستثناء في زمن الولاءات
نواف سلام هو الاستثناء في مشهدٍ ملوّثٍ بالمحسوبيات والانتماءات الضيّقة، وهو الوحيد الذي قرّر أن يحكم بالقانون لا بالمزاج، بالدستور لا بالتابوهات. مشكلتهم معه بسيطة وواضحة: أنّه لا يشبههم.
لا يصرخ، لا يهدّد، لا يلوّح بالسلاح، ولا يتقاسم خيرات البلاد المسروقة مع أمراء الطوائف. يعمل بصمت، ويفضّل أن يتّخذ موقفاً قانونياً على أن يرفع شعاراً شعبوياً. ولهذا يكرهونه، لأنّه يعرّيهم بمجرد وجوده، ولأنّ حضوره الهادئ يذكّرهم بكلّ ما فقدوه من صدقٍ وأخلاقٍ واحترامٍ للدولة.
جمهور الشتيمة… ضجيج بلا صدى
تحوّل “جمهور الشتيمة” إلى جوقة إلكترونية بلا مضمون، تكرّر الشعارات نفسها التي فقدت معناها منذ زمن. لم يعد يرعب أحداً ولا يقنع أحداً. يعيش على فتات لغةٍ قديمة كانت تبرّر الفساد والعنف باسم “المقاومة”. حتى أبناء بيئته باتوا يشعرون بالحرج من ضجيجه الفارغ، ومن تهجّمه الأرعن على كلّ صوتٍ مختلف.
نموذج الدولة الممكنة
في زمنٍ صار فيه الصراخ بديلاً عن الفكر، والولاء أهمّ من الكفاءة، يبقى نواف سلام صورةً عن الدولة التي نحلم بها: دولة تُدار بالقانون لا بالتهديد، وبالهيبة لا بالعنف، وبالضمير لا بالمحسوبيات.
وسط هذا الخراب العام، يشبه نواف سلام فكرةً صغيرة لكنها ثابتة: أن لبنان، رغم كل ما أصابه، ما زال قادراً على أن يُنجب رجلاً يحكم بشرف، ويعيد للسياسة معناها، وللدولة كرامتها.
إقرأ أيضاً: إسرائيل تلاحقنا… والحزب يتذكّر “الدّولة”




