ADAWLAADAWLAADAWLAADAWLA
  • الرئيسية
  • خاصّ – الدّولة
  • مَحلّي
  • عربي-دولي
  • Podcast
✕

بين حطب حولا والدّولة: من يدفئ الجنوب؟

25.10.2025
Categories
  • خاصّ - الدّولة
Tags
  • الجنوب
  • الدولة
  • حولا
  • لبنان

حسين وهبي

 

عادةً ما تخلّف الحروب بعدها إشكاليّاتٍ أخلاقيّة كثيرة. فالحروب تؤثّر عميقًا في المجتمعات، وتترك كمًّا هائلًا من المعاناة، يقود إلى تغيّر كبير في أخلاق النّاس وسلوكياتهم.

أوّل ما تنتجه هذه الحروب هو ارتفاع معدّل العنف، وإعطاء كلّ شخصٍ لنفسه حقّ التصرّف بعنف مع الآخر من دون أيّ رادع، ضاربًا بعرض الحائط الأعراف والقوانين.

أما النتيجة الثانية فهي تفشّي السرقات والاعتداءات على الأملاك الخاصّة والعامّة، مع تبريرٍ دائمٍ جاهز: الحاجة. وهكذا يتحوّل المجتمع إلى أفرادٍ يبرّر كلّ منهم لنفسه فعل ما يشاء، ولو على حساب القيم والمبادئ وحقوق الآخرين.

القانون أم الرأفة؟

أحد الأمثلة على هذه الإشكاليّات الأخلاقيّة كانت الواقعة التي شهدتها بلدة حولا الجنوبيّة.

فقد نفّذت دوريّة مشتركة من وزارة الزراعة وأمن الدولة مداهمةً لمنزلٍ صودر منه نحو أربعة أمتار من الحطب المقطّع، في إطار مكافحة قطع الأشجار والتعدّي على الثروة الحرجية.

إنقسم الرأي العام بين من رأى في المداهمة تنفيذًا للقانون الذي يجب أن يُطبّق على الجميع بلا استثناء، ومن طالب بالرأفة بالناس بعد حربٍ مدمّرةٍ قضت على الحجر والبشر، وخلّفت آلاف العائلات التي لا تملك ثمن المازوت لتدفئة منازلها.

هنا تُطرح أسئلة لا تُختصر بالحطب وحده:

هل يحقّ لمن دُمّر منزله أن يعتدي على أملاك الآخرين؟

هل نُشرّع للسرقة بذريعة الفقر؟

هل يُسمح بتدمير البيئة لأن الدّولة غابت؟

ومن يتحجّج بأن إسرائيل حرقت مساحاتٍ خضراء، فهل يُعقل أن نتمثّل بإجرامها فنُجرم بحقّ أرضنا وناسنا؟

ماذا عن الدولة؟

المسألة لا تتعلق بمواقد التدفئة فحسب، بل بالدولة نفسها.

هل قامت الدولة بواجبها تجاه مواطني الأطراف في الجنوب والبقاع والشمال؟

هل حمتهم حين اعتُدي على معارضي حزب الله؟

هل مارست سيادتها أم تخلّت عنها لحزبٍ بات الآمر الناهي؟

حين تغيب الدّولة، يختلط الشّرعي بغير الشّرعي، ويصبح قرار “الحزب” هو القانون، ومسؤول “الحزب” هو القاضي والحاكم والمُنقذ في آنٍ واحد.

المواطن ضحية قراراته

بين مؤيدٍ ومعارضٍ، يبقى المواطن الجنوبي ضحيّة في كلّ الأحوال.

ضحيّة قرارات حزب الله الّذي خطف قرار الدّولة وأدخلها في حربٍ أحرقت الحياة والبيوت.

وضحيّة دولةٍ مهملةٍ منذ عقود، ومسؤولين فاسدين يتصرّفون بمؤسّساتها كأنّها ميراثٌ عائليّ.

لكنّ المواطن أيضًا ضحية نفسه، لأنّه يعود كلّ أربع سنواتٍ ليختار من دمّر حاضره، منتظرًا مستقبلًا مختلفًا.

كيف يمكن أن نفعل الشيء نفسه مرارًا، ثم ننتظر نتائج مختلفة؟

الغاية لا تبرّر الوسيلة

الآثار السلبية للحروب لا تنتهي، لكنّها لا تبرّر خرق القانون. لا يمكن الوصول إلى العدالة عبر الفوضى، ولا إلى الدفء عبر سرقة الغابات. ما نحتاجه هو دولة القانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية، الدّولة التي تتسيّد الأرض كلّها، تحتكر السّلاح، وتملك قرار الحرب والسلم، وتمنح المواطن حقّه وتُلزمه بواجباته.

ليست القصة عن أربعة أمتار من الحطب، بل عن أربعة عقود من انهيار الدولة.

كل حرب تحرق غابة، وكل غابة تُسقط قانونًا، وكل قانونٍ غائب يزرع دولة غائبة.

إن لم تحمِ الدولة غاباتها، فلن تحمي ناسها، ولن تحمي نفسها.

Share

مواضيع مشابهة

02.11.2025

العودة والإعمار: الجنوبيّون يسابقون الزّمن وحسابات السّياسة


Read more
01.11.2025

أيّها الموت… كن وطنياً!


Read more
01.11.2025

لوركا سبيتي تهاجم “الآباء الشعراء”: مجرمون… تركونا أيتاماً


Read more
‎© 2025 الدولة | جميع الحقوق محفوظة | مدعوم بحرية التعبير