إيران: العدو الذي دخل من الباب الخلفي

محمود بركات
من الجنوب إلى الضاحية، تغيّر شكل الاحتلال. إسرائيل فُرضت بقوة السلاح، أما إيران فتسلّلت كصديق. لكن هل انتهى زمن المقاومة… وبدأ زمن الطرد الثاني؟
منذ عام 1948، لم يكن لأهل الجنوب أيّ التباس: العدو هو إسرائيل.
قاتلوه، وخسروا أرواحًا وبيوتًا، لكنهم ما ترددوا.
قاوموه يوم احتل “الشريط الحدودي”، ويوم غزا بيروت.
صمدوا، ثم طردوه.
لم يُهزم الجنوب، حتى عندما كانت الهزيمة تُفرض على باقي الوطن.
كان البيت الجنوبي خطًا أحمر.
قد يدخل الإسرائيلي الأرض، لكنّه لا يدخل القلوب.
قد يزرع العملاء، لكنه لا يزرع الأفكار.
إيران تدخل كحليف… لا كغريب
ثم جاءت إيران.
لكنها لم تأتِ كعدو.
دخلت كصديق، كحليف للثورة والمقاومة.
صفّق لها كثيرون من أبناء الطائفة، ورأوا فيها أملاً… وامتدادًا.
فتحت لها البيوت والعقول والقلوب.
احتضنها الناس، ظانين أنها آتية لتقويهم، لا لتكبّلهم.
لتحوّل الخفي: من الدعم إلى السيطرة
يا خوفنا من هذه الـ”ثم”…
ثم بدأ التغيير.
تسللت إيران إلى التفاصيل الصغيرة:
إلى ما نأكل، وما نشرب، وكيف نصلي، ومتى نصوم، ومن نحب، ومن نكره، وماذا نقرأ، وماذا لا نقرأ.
فرضت نمطًا دينيًا لا يشبهنا، وسلوكًا اجتماعيًا لا يمت إلى تقاليدنا بصلة.
جاءتنا بعقيدة مغلقة، ترى في الوليّ الفقيه رأيًا لا يُناقش، وكلامًا لا يُرد، وقداسة لا تُمسّ.
قتل التعدد وتعميم القائد الواحد
قتلت إيران روح التعدد في المجتمع الشيعي.
سلّطت علينا عمائم لا تخطئ، وجماعات لا تُحاسَب، ولغة لا تقبل الجدل.
وحين بدأ بعض الشيعة يتململون، وكثرٌ منهم ينفرون، أوكلت طهران أمر “ضبط الطائفة” إلى حزب الله.
صار هو الحارس، والآمر الناهي، والناطق باسم إيران في لبنان… وضد لبنان.
حروب إيران… بأجساد الشيعة*
وهكذا، تحوّلت إيران إلى قوّة احتلال ناعمة… لكن خانقة.
استعملت أبناء الطائفة الشيعية دروعًا بشرية لحروبها.
خاضت بجثثهم معارك لم يكن لهم فيها ناقة ولا جمل.
ضحّت بهم في سوريا، واليمن، والعراق… وتستعد للتضحية بالباقين في لبنان.
من حليف إلى محتل: انقلاب الشعور الشيعي
وصل الحال أن طيفًا واسعًا من الشيعة لم يعد يرى في إيران حليفًا… بل غازياً.
احتلّت إيران العقول والقلوب، بعدما فشل الإسرائيلي في احتلالها.
وها هي اليوم تُعامل شريحة كبيرة من الشيعة اللبنانيين كخصوم، فقط لأنهم قالوا: “لا”.
آن أوان الطرد الثاني
نعم، إيران أصبحت دولة احتلال في عيون كثر من الشيعة اللبنانيين.
لكن الفرق أنها لم تأتِ على دبابة… بل دخلت من الباب الخلفي، باسم الدين والمقاومة.
والأوان قد آن أن يُقال لها ما قيل ذات يوم للإسرائيلي:
أخرجي من أرضنا… من بيوتنا… من عقولنا. لا نريد احتلالاً باسم الصداقة، ولا قمعًا باسم الولاء.