الرّعب يسكن الجنوب… والحزب ما زال ينكر
من طفلٍ مرعوبٍ إلى أبٍ أكثر رعبًا
لم أكن أتخيّل أن يعود بي الزمن إلى سنوات الطفولة، يوم كنّا من المهجّرين إلى قريةٍ بعيدةٍ عن الشريط الحدودي المحتلّ.
حسين وهبي
كنّا نزور قريتنا بين الحين والآخر، لكنّنا في بعض الأحيان كنّا نُفاجأ بليلٍ يهبط علينا قبل العودة، فنغادرها تحت جنح الظلام.
كنتُ يومها طفلًا يعيش رعبًا خالصًا. أخاف أن تطالنا رصاصةٌ من مركزٍ إسرائيليّ مطلّ على الطريق، أو قذيفة مدفعيّة، أو عبوةٍ تنفجر بغير موعد.
كبرتُ… لكن الرعب كبر معي.
خلال هذه الحرب، عشنا أيامًا فظيعة، ننتظر الموت المحتّم بعد هجرتنا القسرية أنا وزوجتي وأطفالي. عشنا الخوف على الأرواح والمنازل والأهل والأصدقاء. فقدنا كثيرين من الأقارب وأبناء القرية.
ولم أعد بعدها إلى منزلي، على قاعدة “لا تنام بين القبور ولا تشوف منامات وحشة”. لم أرد لعائلتي أن تعود إلى قريةٍ لا يزال الخطر يحوم حولها.
لكنّني أعود أحيانًا في زياراتٍ عابرة، وأشعر بذات الرّعب الذي كنت أعيشه وأنا صغير. الزّمان يعيد نفسه. نفس الطريق، نفس العتمة، ونفس الخوف… لكن العدو تغيّر، صار يرى ويسمع ويتحكم من السّماء.
مسيّرات تحدّد المصير
الرّعب اليوم أكبر. لم يعد العدو يعتمد على بندقيةٍ أو مدفعٍ فقط، بل على مسيّراتٍ تراقب كلَّ حركةٍ، كلَّ صوتٍ، كلَّ ظلٍّ يمرّ.
مسيّراتٌ تمسح الأرض والسّماء، تُحدّد الهدف وتقرّر المصير: من يعيش، ومن يُبعد، ومن يُمحى.
عاد الرّعب يدبّ فينا في كل مكان، ولم تعد قرى الشّريط الحدودي وحدها المحتلّة. صار كلّ الوطن مكشوفًا ومراقبًا ومحتلًّا بالعيون الطّائرة.
“الحزب” في إنكار
في الوقت الذي يسرح فيه العدو ويمرح ويرعب النّاس، يستمرّ حزب الله في حالة إنكار، يجرّ البلاد معه إلى المجهول.
هو لا يعترف بالرّعب الّذي زرعه، ولا بالاحتلال الجديد الذي فرضه على البلاد.
ومع كل غارةٍ أو مسيّرةٍ أو شهيدٍ جديد، يتّضح أن ما يُسمّى “المقاومة” لم تعد تحمي أحدًا، بل تحمي وهمها فقط.
