العودة والإعمار: الجنوبيّون يسابقون الزّمن وحسابات السّياسة

هل يُمكن ألا يبقى للنّازحين الجنوبيّين سوى المفتاح؟
وهل يبقى الجنوب وأهله رهن سلاح “الحزب” وفشل الدّولة في تنفيذ الإصلاحات؟
يزداد الإعتقاد الإسرائيلي بأنّ عودة السّكان اللّبنانيّين إلى قراهم وإطلاق ورشة الإعمار في القرى الحدوديّة يشكّلان خطرًا أمنيًّا مستقبليًّا، ما يجعل من مشروع إقامة حزام أمني خالٍ من السّكان على طول الشّريط الحدودي خيارًا مفضلًا بالنّسبة لإسرائيل. أمّا الدّولة اللّبنانية فقد دخلت مرحلة الشّلل: بين ضعف موقعها التّفاوضي بسبب رفض حزب الله التّعاون بملف تسليم السّلاح وارتباط جميع قراراته بطهران من جهة وضغوط عربيّة ودوليّة تربط ملف السّلاح بإعادة ترتيب ورسم معالم الجنوب ولبنان بعد الحرب من جهة أخرى.
النّازحون يعيشون المأساة
في ظل هذا المشهد المعلّق، يعيش عشرات الآلاف من النازحين أوضاعًا معيشيّة بالغة القسوة، مع انعدام الدّخل وتراكم الإيجارات وتكاليف التّعليم والعلاج. الوقت ليس لصالحهم، إذ تتراجع الهمّة لإعادة البناء خصوصًا عند الفئة المتقدّمة بالعمر، أمّا الشباب فسيجد في طريق الهجرة خيارا مناسبًا للبحث عن فرصٍ جديدة في التّعليم والعمل، فيما يتآكل الرّابط العاطفي مع الأرض بفعل دمار الأماكن والذكريات.
القرار كبير.. سلاحٌ وإصلاح
ينتظر الجنوب قرارًا أكبر من إرادة أبنائه، فالمسألة لم تعد تقنيّة أو إنمائيّة فحسب، بل سياسيّة بامتياز. فإعادة الإعمار في الجنوب لا يمكن فصلها عن معادلات السّلاح والتّمويل والإصلاح. لقد أفرزت الحرب توازنات جديدة تربط تدفق الأموال بتسليم سلاح حزب الله كشرطٍ أساسيّ لا نقاش فيه، وبمدى قدرة الدّولة على الإصلاح وشفافيّة الجهات الحكومية التي ستتولى عمليّة الإعمار، فالثّقة لا تزال ضعيفة تجاه لبنان نتيجة التّجربة السّيّئة بعد حرب تموز 2006، وما نتج عنها من فساد وفوضى محسوبيّات.
مصارحة ما بعد الهزيمة!
المطلوب اليوم تحويل النّقاش حول العودة والإعمار إلى قضيّة وطنيّة تشمل معالجة إشكاليّة المناطق اللبنانيّة الأخرى الّتي حرمت تاريخيا من الإنماء كالبقاع والشّمال، وهو ما يعتبر اختبارًا لقدرة اللّبنانيين على التّفاهم مجدّدًا وبناء تسوية داخليّة حقيقيّة. بالإضافة إلى الضّغط على الجهات الّتي لم تصارح الجنوبيين بما حدث من هزيمة أنهكت الجميع دون استثناء ولم تتحمل المسؤولية تجاه المجتمع الّذي تدّعي حمايته حتى اليوم، وتعرقل الحلول السياسيّة المقترحة بحجّة المصلحة والحماية.
لا يمكن للجنوب أن يبقى رهينة خيارات الماضي، فالأولوية اليوم هي لمواجهة المشروع الإسرائيلي بالسياسة، وتأمين الشروط السياسية التي تتيح للمواطن الجنوبي ألّا يبقى معلّقًا بين الانتظار والخراب، ولا شاهدًا على خسارات جديدة تنجم عن ضياع الفرص. فالأرض التي نملك فرصة العودة إليها اليوم، قد تتحوّل غدًا إلى منطقة عازلة، تمامًا كما حدث قبل الثالث والعشرين من أيلول، حين كنا نملك فرصة العودة إلى منزلٍ لم يتبقَّ منه اليوم سوى مفتاحه.




