خطأ الشّيباني… والفرصة الضائعة مع نبيه برّي

عماد الشدياق
أخطأ وزير الخارجيّة السوريّة أسعد الشّيباني في أول اختبار دبلوماسي له تجاه لبنان. خطأ ليس في الشّكل فقط، بل في الجوهر السّياسي الّذي كان يُمكن أن يُحدث تحوّلاً مهماً في العلاقة المعقّدة بين دمشق وبعض القوى اللّبنانية، وفي مقدّمها رئيس مجلس النّواب نبيه برّي.
فزيارة الشّيباني إلى بيروت من دون المرور بعين التّينة لم تكن مجرّد سهوٍ بروتوكولي. فالرّجل الّذي يُفترض أنه يحمل رسالة انفتاح بعد مرحلة الحرب الطويلة، تجاهل واحداً من أكثر الشّخصيات اللّبنانية تأثيراً في معادلات السّلطة، ورمزاً من رموز الحركة الشيعية الّتي لم تنخرط في الحرب السّورية كما فعل “حزب الله”.
برّي لا يأتمرّ بالخارج
منذ عام 2011، تمايز برّي بوضوح عن قرار المشاركة في القتال داخل سوريا. رفض أن تُورّط “حركة أمل” في المستنقع، وفضّل النأي بالنّفس عن حسابات الأسد ومغامرات الحزب. هذا التّمايز كلفه كثيراً: قطيعة مع النّظام، توتر مكتوم مع الحزب، واتهامات بالبرودة تجاه “الممانعة”. لكنه في المقابل رسّخ موقعه كزعيم لبناني لا يأتمر إلّا بقراره، ولا يغامر بدماء طائفته في حروب الآخرين.
من هنا، كانت زيارة الشّيباني إلى برّي “الرّسالة الأبلغ” الّتي يمكن أن تبعث بها دمشق إلى الدّاخل اللّبناني، لو أرادت فعلاً القول إنّها في مرحلة مراجعة وتبدّل. لقاء بسيط في عين التينة كان كفيلاً بإحداث صدى سياسي يتجاوز البروتوكول إلى إعادة وصل ما انقطع بين دمشق وبرّي، وربما بفتح نافذة جديدة على موازين القوى داخل الطّائفة الشّيعية نفسها.
“الحزب” يلتقي مسؤولين سوريّين
لكن ما حصل هو العكس. فأن تقاطع دمشق برّي فوق الطاولة، وتجلس مع “حزب الله” تحتها، فذلك إعلان انحياز لا لبس فيه، وفضيحة دبلوماسيّة مكتملة الأركان. إذ بدا وكأنّ النّظام السّوري ما زال أسير رهانه القديم على “الحزب” كذراعه اللبنانية الوحيدة، متجاهلاً أن زمن الأحادية انتهى، وأن الجنوب تغيّر، وأن التمايز داخل البيئة الشيعيّة لم يعد تفصيلاً.
وفي هذا الإطار كشفت معلومات “الدّولة” عن لقاءات دمعت ممثلين عن “الحزب” بممثلين عن إدارة الرئيس السّوري أحمد الشّرع، بحثت أمورًا عسكريّة وأمنيّة. لكن وفق المعلومات فإنّ اللقاءات لم ترتقِ إلى المستوى السّياسي.
الشّيباني أضاع الفرصة
أسعد الشيباني أضاع فرصة ذهبية لترميم الجسور مع من بقي يحتفظ بخيوط الدولة في وجه ميليشيا السلاح. وربما سيدرك لاحقاً أنّ تجاهل نبيه بري ليس مجرّد سوء تقدير… بل خطأ استراتيجي قد يكلّف دمشق كثيراً في لحظة إعادة رسم التوازنات اللبنانية.




