غارات المصيلح: عدوانية إسرائيل وعنادُ الحزب… فوق مصالح الجنوب

هل يمكن أن يصمد لبنان إلى ما لا نهاية؟
سؤالٌ لم يعد نظريًا بعدما تحوّلت ضربات العدو الإسرائيلي على المصيلح إلى مؤشرٍ خطير على انزلاق البلاد نحو استنزاف مفتوح، سببه الأوّل مغامرات حزب الله وسياسته التي تُقحم الجنوب واللبنانيين في مواجهةٍ لا طاقة لهم عليها.
فراس حميّة
غارات تدمّر الجنوب واقتصاده
نحو 300 آلية في المصيلح دمّرتها إسرائيل في أكثر من عشر غارات جوية، هي الأعنف منذ اتفاق وقف الأعمال العدائية. بحساب بسيط، الخسائر الأولية تُقدّر بحوالي 7 ملايين دولار، وهي ليست مجرد أرقام، بل انعكاس لانهيارٍ إضافي في البنى الاقتصادية الجنوبية واللبنانية عامة. فالضربات تفاقم من خسائر الممتلكات، وتؤثر على السياحة، وحركة الوافدين، والبنية التحتية، وتُهدد الاستثمارات، ما يضع الاقتصاد الوطني أمام ضغوطٍ جديدة قد تنفجر إذا استمرّ القصف من دون حلولٍ سياسية واقعية تحمي لبنان وشعبه.
مأزق سياسي لا عاطفي
الضربات الإسرائيلية ليست ردّ فعلٍ عاطفيً، بل رسالة سياسية صريحة: إمّا أن يلتزم لبنان بواجباته السيادية، أو أن يواجه تدهورًا شاملًا قد يقوده إلى حربٍ كبرى لا قدرة له على تحمّلها. غير أنّ حزب الله يصرّ على تحويل المأساة إلى مشهدٍ دعائي يتهم فيه الآخرين بالتخاذل، وكأنّ مشاعر التضامن يمكنها أن تردع إسرائيل أو تحمي لبنان من الدمار.
حتى لو توحّد اللبنانيون خلف الحزب، فإنّ إسرائيل لن تتراجع، لأنّ المشكلة ليست في تضامن اللبنانيين، بل في وجود تنظيمٍ مسلّح خارج سلطة الدولة يجرّ البلاد إلى الهاوية باسم “المقاومة”.
الضغط من أجل الحوار… أم من أجل السلاح؟
إسرائيل تمارس ضغطًا ممنهجًا لإجبار لبنان على أحد خيارين: إمّا تفكيك سلاح حزب الله، وإمّا الانخراط في حوارٍ مباشر معها وصولًا إلى اتفاق هدنة أو سلام برعاية أميركية. هذا هو جوهر الرسائل التي تنقلها الإدارة الأميركية عبر دونالد ترامب وطوم بارّاك، وتلقفها الرئيس نبيه بري قائلا: “وصلت الرسالة”. لكنّ الحزب، بتعنّته، يمنع أي توافق وطني قد يفتح الباب أمام تسويةٍ تحفظ كرامة اللبنانيين وتمنع الحرب.
سلامٌ كهذا يتعارض مع مشروع “الممانعة” القائم على التسلّح والتحشيد، لا على بناء الدولة. ولهذا سيبقى لبنان رهينة خيارٍ لا يملك مقوّمات استمراره.
اقتصادٌ ينهار ودولةٌ تُستنزف
في ظل استمرار الغارات، سيزداد الإنهاك المالي للدولة اللبنانية التي لا تستطيع موازنتها تغطية تكاليف الدمار. ومع غياب الإعمار والتعويضات، ستتراكم الخسائر على الجنوبيين واللبنانيين عمومًا، فيما الحزب يواصل خطابه الحربي بلا خطةٍ واقعية لحماية الناس أو تعويضهم. إنها حال استنزافٍ سرطاني يأكل جسد الدولة والمجتمع ببطء، فيما إسرائيل تتابع ضرباتها بثقةٍ تامة بأنّ حزب الله عاجز عن الردّ الحقيقي.
مسؤولية تفادي المقتلة
الواقع أنّ إسرائيل تسعى إلى إنهاء ملف الحدود مع لبنان نهائيًا، مستفيدةً من تحوّلاتٍ إقليمية في سوريا وغزة لمصلحتها. أمام هذا المشهد، تقع المسؤولية الكبرى على حزب الله الذي يرفض مراجعة سياساته مما يتيح عودة الجنوبيين إلى منازلهم بأمان.
على الحزب، ومعه الرئيس نبيه برّي، أن يدركا أنّ الاستمرار بهذا النهج سيقود إلى مقتلةٍ جديدة تطال الشيعة أولًا ولبنان كله لاحقًا. فالمعركة التي يخوضها الحزب لم تعد معركة “مقاومة”، بل معركة بقاءٍ لنظامٍ فقد مبرّراته وأرهق وطنه.




