ADAWLAADAWLAADAWLAADAWLA
  • الرئيسية
  • خاصّ – الدّولة
  • مَحلّي
  • عربي-دولي
  • Podcast
✕

لوركا سبيتي تهاجم “الآباء الشعراء”: مجرمون… تركونا أيتاماً

01.11.2025
Categories
  • خاصّ - الدّولة
Tags
  • الأدب
  • الشعراء
  • شعر
  • فن
  • لبنان
لوركا سبيتي

شاعرة من جنوب لبنان، ومقدّمة برنامج ثقافي على قناة “الجديد”.

You do not have any posts.

نصّ مؤلم وعميق للكاتبة لوركا سبيتي، تكتب فيه عن أبناء الشعراء الذين عاشوا في ظلال القصيدة، لا في دفء الأبوة.

 

لوركا سبيتي

 

نحن أبناء الشعراء، الذين أنجبونا عرضًا، كما تُنجب القصيدة استعارةً زائدةً في بيتٍ مزدحمٍ بالمجاز.

وُلدنا في ظلّ قافيةٍ أطول من ظلّهم، في بيوتٍ لم تكتمل لأنهم كانوا دائمًا في طريقهم إلى أمسية، أو منفى، أو خيبةٍ جديدة.

كنا نقف عند العتبة ننتظرهم، كما تنتظر القصيدة بيتها الأخير، لكنهم لا يعودون.

يعود صوتهم فقط، وثرثراتهم العالقة بين ورقةٍ وعشيقةٍ وخمرةٍ وأسطورةٍ اسمها “أنا الشاعر”.

أقنعونا أنّهم آلهة

نحن أبناء الشعراء، علّمونا أن الشعر خلاص، ولم يقولوا ممّن!

أوهمونا بأنّ الأبَ الشاعرَ كائنٌ مقدّسٌ من صنف الغيوم، يعيش فوق الأرض ولا ينتمي إليها.

أقنعونا بأنهم آلهة، وأنّ فخرنا أننا أولادهم، نكبر في حضرتهم… كبرنا واكتشفنا أنهم كانوا شياطينَ تعرف كيف تُغوي بالكلمات وتُخفي تحتها الخراب.

لم يكونوا آباءً، بل “أناوات” تدور حول نفسها، حول قلقها، حول خيباتها التي جعلوها ديانةً يمارسون طقوسها باسم الإبداع.

طفولة مؤجّلة

نحن أبناء الشعراء، عشنا طفولةً مؤجّلة، بين نوباتِ الولادةِ ونوباتِ الموت، بين قصيدةٍ تتغاوى في الخارج وامرأةٍ تبكي في المطبخ.

لا يحقّ لنا أن نتمنّى، وماذا نتمنّى أكثر من قصيدة؟!

وماذا نريد أكثر من أبٍ مشغولٍ بما هو أهمّ: المعنى، الوطن، الوجود؟

كلّ هذا صنع منّا وجودًا بلا معنى.

لم نكن أبناءً بل ظلالًا، نمشي بين خيالهم المتورّم ولغتهم الثقيلة ونتعثر بهما.

اكتسبنا خيالًا مريضًا وقدرةً على تبرير كلّ شيء — حتى الغياب، وحتى القسوة، وحتى الخيانة — لأنهم علّمونا أن كلّ خطيئة تُغفر إذا خدمت القصيدة.

لو كان آباؤنا تجّارًا، أو نجّارين، أو فلاحين، أو حدّادين، أو أيّ مهنةٍ أخرى، لعشنا حياةً طبيعيّة:

الطاولة فيها من خشبٍ وليست ثرثرة، الخبز خبزًا وليس استعارة، الحديقة بسياجٍ حديديّ وليست كناية.

كان لنا عنوانٌ ثابت، بيتٌ ننام فيه، مفاهيم واضحة، مبادئ نعرفها، أهداف سامية، زواجٌ عادي، وحياةٌ لا يسيطر عليها مجدٌ لغويّ أو هوسٌ خياليّ.

القلم: سلاح للبيت… وورد للعالم

في التاريخ كثيرٌ منهم: شعراء حملوا القلم سلاحًا في البيت، فيما امتدت قصيدتُهم حقلَ وردٍ للعالم، وتركوا أبناءهم على حافة العيش.

من نيرودا الذي كتب عن الحب ولم يحبّ ابنته، إلى بايرون الذي أغوى العالم وترك ابنته لتكتب التاريخ وحدها،

وآخرين كانوا… ويا ليتهم ما كانوا.

كلّهم اجتمعوا في صورةٍ واحدة: شاعرٌ يُنجب ثم يرحل، شاعرٌ يُنجب فيأكل أولاده، وآخر يختفي تاركًا وراءه طفلًا يتيمًا من الاعتراف،

وآخر لا يتذكّر كيف أنجب، يعيش ونعيش نحن جميعًا حياةً هي مجرّد ردّة فعلٍ على ما كتب.

نتحرّك كثيرًا ولا نعرف كيف نهدأ، نحفظ قاموس العاطفة، لكننا لا نجد مفهومًا واحدًا للحبّ.

لا سقف ولا بيت

نحن أبناء الشعراء، كبرنا بلا جدرانٍ تقي حرّ الاحتمالات، ولا سقفٍ يسترنا، ولا مفاهيمَ نتشبّث بها.

نحمل حقيبةً وننتقل من بيتٍ إلى بيتٍ، من وهمٍ إلى وهم، نحاول أن نبني حياةً لا تشبه قصائدهم.

ومع ذلك، لا نستطيع الهروب من مرايانا، من ذاكرتنا، من الـDNA!

آباؤنا يسكنون في لغتنا، في طريقة حديثنا، في علاقاتنا الناقصة، يصفّقون لأخطائنا ويعتبرونها قمّة الخيال،

ولأحزاننا على أنها عادةٌ إنسانيّةٌ نبيلة.

لن نغفر، حتى لو فهمنا اللعبة، وحتى لو صرنا نحن الشعراء.

لقد كتبوا القصائد للنجاة من أنفسهم ولم ينجوا.

نحن سنكتب لننجو منهم — ولن ننجو.

قصيدتنا ستكون عنهم، عن الآباء الذين نسوا أبناءهم وحيدين في الغرف الوحيدة.

الكتابة لا تبرّر الجريمة، حتى لو كانت مكتوبةً بماء الذهب.

 

إقرأ أيضاً: بيروت ليست مدينة إيواء: نازحون جدد… في بلدٍ بلا ملجأ

Share

مواضيع مشابهة

01.11.2025

أيّها الموت… كن وطنياً!


Read more
31.10.2025

بين “الميغاسنتر” و”الكيو آر كود”: عبقرية الفشل الانتخابي في لبنان


Read more

This image was processed by Neat Image. NeatImage.com

31.10.2025

المقاومة: فعلٌ إنسانيٌ.. لا بطاقة حزبية


Read more
‎© 2025 الدولة | جميع الحقوق محفوظة | مدعوم بحرية التعبير