مهلاً.. لبنان ليس مدعوّاً للتفاوض مع إسرائيل

تعددت وتنوّعت الأسلحة المدمّرة والمتطورة التي استخدمها العدو الإسرائيلي في حربه المستمرة على لبنان منذ أكثر من عامين، ولم يبقَ في ترسانته سوى سلاح وحيد لم يلجأ إليه حتى الآن — لحسن الحظ — على الرغم من أن مفعوله قد يكون فتاكاً أكثر من أي سلاح آخر استخدمه في حروبه اللبنانية منذ غزو العام 1982. والسلوك الإسرائيلي الحالي لا يوحي بأن العدو يلطف بلبنان، بل لعله يترك الضربة القاضية حتى المرحلة الأخيرة من الحرب الراهنة.
ساطع نور الدين
الكلام ثابت ومؤكّد عن أن العدو لا ينوي ولا يطمح إلى اعتماد الشر المطلق والنهائي الذي سبق أن اختبره قبل 38 عاماً بالتحديد، بل هو يمارس لعبة الحرب العسكرية القصوى التي لا تحتمل أي أسباب تخفيفية، ولا تموه نفسها بأي ذرائع أو مبررات. بحيث يبدو اللجوء إلى القوة القاتلة كأنه استعراض مجرد من أي معنى ومن أي هدف سوى إرضاء شهوة الدم، وتحويل المجزرة بحق المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين إلى عقيدة قتالية تستهدف بشكل خاص ترسيخ وعي عربي جديد للصراع وأشكاله وأدواته.
وعلى الرغم من كل ما يروّج هذه الأيام عن تغيير وجه الشرق الأوسط برمّته — وهو ما يدفع الجمهور العربي واللبناني إلى الإيمان بنظرية أن تاريخاً جديداً يكتب في المشرق العربي الآن، ورفض فرضية أن اتفاق شرم الشيخ الأخير لوقف النار في غزة هو مجرد صفقة لتبادل الرهائن بين إسرائيل وحركة حماس وليس وقفاً للحرب أو حتى هدنة — نُظّم عرض مسرحي أميركي لضمان تنفيذها.. فإن لبنان يمثل نموذجاً هامشياً مصغّراً، يضاف إلى النموذج الفلسطيني في غزة، يؤكد أن العدو ليس في وارد إنهاء الحرب ولا في إبطاء وتيرتها، وهو لا يأخذ على محمل الجد بقية بنود اتفاق شرم الشيخ الخاصة بـ«السلام» والاقتصاد والإعمار.
ولن يتأخر الوقت قبل أن يثبت أن ذلك الاتفاق على تبادل الرهائن لن يصمد طويلاً، وستدخل الحرب في طور جديد — أقل بقليل من خيار الإبادة التامّة — يركز على تجريد حركة حماس من السلاح والدور والوجود، وكذا الأمر بالنسبة إلى حزب الله وجبهة لبنان المفتوحة. لم يحن وقت السياسة، ولم يفسح اتفاق شرم الشيخ الأخير المجال لأي تفكير جدي في الحلول أو التسويات السياسية، ولم يؤسس، كما جرت العادة، لأي شكل من أشكال التفاوض لا على الجبهة الفلسطينية ولا طبعا على الجبهة اللبنانية.
مع ذلك، فالشائع في لبنان — ربما أكثر من غزة أو أي مجال عربي آخر — أن الوقت قد حان للالتحاق بصنّاع التاريخ الحديث للمشرق العربي، والاستعداد لمرحلة من التفاوض مع العدو الإسرائيلي تشبه إلى حدّ بعيد المرحلة التي تلت حرب الخليج الثانية في تسعينات القرن الماضي. ويمكن العثور في بعض الغرف اللبنانية المغلقة، الرسمية والسياسية، على أفكار وآراء ومراجع لخوض مثل هذه التجربة التفاوضية، فضلاً عن اقتراحات لتشكيل وفد التفاوض اللبناني، بناءً على فكرة تسرّع الرئيس جوزف عون في إطلاقها الأسبوع الماضي، أن لبنان لا يمكن أن يظل خارج هذا السياق التفاوضي الذي «انطلق» في شرم الشيخ (مع أن أحداً لا يملك دليلاً على مثل هذه الانطلاقة المزعومة).
وفي ظل سجالات حامية حول هذه الفكرة، غابت حقيقة أن لبنان لم ولن يتلقَّ دعوة إسرائيلية إلى التفاوض — لا المباشر ولا غير المباشر، ولا حتى الأمني الذي يختبره العدو مع سوريا — من أن يمضي به قدماً حتى النهاية المرجوة من النظام الجديد في سوريا. جلّ ما تقوله إسرائيل هو أنها معنية فقط بمواصلة ما يشبه «حملة علاقات عامة» هدفها إقناع جيرانها العرب بأنها ما زالت في حالة جنون مطلق لن تخرج منها حتى بمعاهدات سلام مع أي دولة عربية، مجاورة أو بعيدة.
لبنان ليس مدعوّاً من قبل إسرائيل إلى أي تفاوض أو أي تفاهم مع العدو، وهو بات منسياً أو مستبعداً عن أي محفل عربي ودولي ذي قيمة. مع ذلك، ثمة في بيروت اليوم من يصرّ على أن العدو وجه بالفعل مثل هذه الدعوة، متجاهلاً أن ذلك يعادل استخدام السلاح الإسرائيلي الأخير — سلاح الدمار الشامل — الذي يمكن أن يفجّر لبنان من الداخل أكثر مما فعل في العام 1982.
*نقلاً عن فيسبوك




